الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أمـا بعد
فقد وقفت على مقال لبعض المتصوفة يستدل على جواز التمايل يمينا وشمالا عند ذكر الله تعالى بأثر مروي عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – يصف أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (أنهم كانوا إذا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح) .
ثم إني رأيت الشيخ الألباني – رحمه الله تعالى – قد قام بتخريج هذا الأثر فأحببت نقل كلامه ثم أضيف عليه بعض ما فاته ، قال – رحمه الله -: “و بهذه المناسبة لابد من التذكير نصحا للأمة , بأن ما يذكره بعض المتصوفة عن علي – رضي الله عنه – أنه قال و هو يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ” كانوا إذا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح ” .
فاعلم أن هذا لا يصح عنه – رضي الله عنه – , فقد أخرجه أبو نعيم في ” الحلية ” ( 1 , 76 ) من طريق محمد بن يزيد أبي هشام ، حدثنا : المحاربي ، عن مالك بن مغول ، عن رجل من ( جعفي ) ، عن السدي ، عن أبي أراكة عن علي .
قلت : و هذا إسناد ضعيف مظلم .
1 – أبو أراكة ، لم أعرفه ، ولا وجدت أحداً ذكره ، و إنما ذكر الدولابي في ” الكنى ” ( أبو أراك ) و هو من هذه الطبقة , و ساق له أثراً عن عبد الله بن عمرو , و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا كعادته .
2 – الرجل الجعفي لم يسم كما ترى فهو مجهول .
3 – محمد بن يزيد قال البخاري : ” رأيتهم مجمعين على ضعفه ” ).انتهى كلامـه – رحمه الله تعالى – ، السلسلة الصحيحة: ( 3 / 307 )
أقـول: أبو أراكـة ، قد ذكره أيضاً البخاري في: ” كتاب الكنى ” ( ص: 30 ) ، وابن أبي حاتم في: ” الجرح والتعديل ” ( 9 / 336 )، وسكتا عنه .
وذكره ابن حبان في: ” الثقات ” ( 5 / 584 )، كعادته في ذكر المجاهيل .
وقال أبو أحمد الحاكم: ” حديثه في الكوفيين ” الأسامي والكنى: ( 2 / 87 ).
وأمَّـا الرجل الجعفي فهو: عمرو بن شمر الجعفي الكوفي كما جاء مصرحاً به في بعض الطرق .
فقد روى ابن أبي الدنيا في: ” كتاب التهجد وقيام الليل ” ( رقم: 205 )، ومن طريقـه الخطيب البغدادي في: ” الموضح ” ( 2 / 296 )، والحافظ ابن عساكر في : ” تاريخه ” ( 42 / 491 – 492 )، قال: حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني: عمرو بن شمر ، عن السدي ، عن أبي أراكة ، قال : صليت مع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – صلاة الفجر ، فلما سلم انفتل عن يمينه ، ثم مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح ، قال: وحائط المسجد أقصر مما هو الآن قال : ثم قلب يده ، وقال : ( والله لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى اليوم شيئاً يشبههم ، لقد كانوا يُصْبِحون صُفراً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعزى ، قد باتوا سجداً وقياماً يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم ، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح ، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم ، والله لكأن القوم باتوا غافلين ) .ثم نهض فما رئي بعد ذلك مفتراً يضحك ، حتى ضربه ابن ملجم عدو الله الفاسق .
ورواه الخطيب البغدادي في: ” الموضح ” ( 2 / 296 ) – من غير طريق ابن أبي الدنيا – قال : أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ ، أخبرنا: أبو محمد ابن ماسي ، حدثنا: محمد بن عبدوس ، حدثنا: علي بن الجعد بـه … فذكره .
فتبين أن الجعفي المذكور عند أبي نعيم هو عمرو بن شمر
ومما يدل عليه أيضاً ، ما جاء عن ابن معين ، أنه قال : ( قال لي ابن نُمَيْر: سمع مالك بن مغول من عمرو بن شمر حديث أبي أراكة ” التاريخ – رواية الدوري -: ( رقم: 2759 ).
وعمرو بن شمر هذا متروك الحديث.
قال البخاري: ( منكر الحديث ) التاريخ الكبير: ( 6 / 344 ).والتاريخ الأوسط: ( رقم: 1085 ).
وقال عمرو بن علي الفلاس: ( منكر الحديث ، حدَّث بأحاديث منكرة ) الجرح والتعديل: ( 6 / 239 ).
وقال العباس بن محمد الدّوري سمعتُ يحيى بن معين يقول : ( عمرو بن شمر ، ليس بثقة ) الجرح والتعديل: ( 6 / 239 ) ، والدوري: ( 2 / 446 ) ، وانظر رواية ابن محرز: ( 1 / رقم: 60 ).
وقال أيضا: ( عمرو بن شمر وعمرو بن المقدام ، لا يكتب عنهم ) التاريخ – الدوري -: ( 2 / 446 ).
وقال أبو حاتم الرازي: ( منكر الحديث جدًا ، ضعيف الحديث ، لا يشتغل به تركوه ) الجرح والتعديل: ( 6 / 239 – 240 ).
وسئل أبو زرعة عنه فقال: ( ضعيف الحديث ) الجرح والتعديل: ( 6 / 240 ).
وقال ابن سعد : ( كان ضعيفاً جداً ، متروك الحديث ) الطبقات ( 6 / 356 ).
وقال النسائي: ( متروك الحديث ) الضعفاء والمتروكين: ( رقم: 451 ).
وقال ابن حبان : ( كان رافضيا يشتم أصحاب رسول الله ص وكان ممن يروي الموضوعات عن الثقات في فضائل أهل البيت وغيرها لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب ) المجروحين: ( 2 / 75 ).
وقال الدارقطني: ( متروك الحديث ) لسان الميزان : ( 4 / 367 ).
وانظر : ” لسان الميزان ( 4 / 367 )” لتقف على بقية أقوال العلماء فيه .
وأما أبو هشام محمد بن يزيد فقد توبع .
فالأثر لا يثبت عنه – رضي الله عنه – وذلك من أجل عمرو بن شمر وأبـي أراكة .
وقد خالف عمرو بن شمر الجعفي هذا عمر بن سعد النصري فلم يذكر موضع الشاهد وهو: التمايل يمينا وشمالا عند ذكر الله تعالى .
فقد روى أبو أحمد الحاكم في كتابه: ” الأسامي والكنى ” ( 2 / 87 )، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي ، نا: إسماعيل – وهو ابن موسى الفزار-، نا: عمر – يعني: ابن سعد – النصري ، عن السدي ، عن أبي أراكة ، قال: صليت مع علي الفجر يوم الجمعة فلما قضى صلاته وضع يده على خده كئيباً حزيناً ، حتى إذا صارت الشمس على حائط المسجد قيد رمح أو رمحين قلب يده ، ثم قال: ” لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما رأيت أحدًا يشبههم اليوم ولقد رأيتهم يصبحون شعثًا غبراً صفراً قد باتوا لله ركعا سجداً ” .
وفي إسناده عمر بن سعد النَصْري ، مجهول ، لم أقف على من تكلم فيه ، ذكره عبد الغني الأزدي في: ” مشتبه النسبة : ( ص: 5 )، وغيره ، وقال: ( كوفي حدّث عنه إسماعيل بن موسى ابن بنت السدي وغيره ). وانظر الإكمال لابن ماكولا: ( 1 / 390 ) ، وتبصير المنتبه : ( 1 /158 )
وخلاصة البحث أن أثر علي – رضي الله عنه – الذي فيه ذكر التمايل يمينا وشمالا عند ذكر الله تعالى غير ثابت عنه ، وهو مروي بإسناد ضعيف جداً ، فيه عمرو بن شمر الجعفي ، وهو متروك ، وأبو أراكة مجهول الحال ، وخالفه عمر بن سعد النصري ، فلم يذكر تلك اللفظة وفي الإسناد أيضاً أبو أراكة وعمر النصري وهما مجهولا الحال
والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.