قال ابن حبان: (فإذا كان الثقة الحافظ لم يكن بفقيه وحدث من حفظه، ربما قلب المتن، وغير المعنى؛ حتى يذهب الخبر عن معنى ما جاء فيه، ويقلب إلي شيء ليس منه وهو لا يعلم، فلا يجوز عندي الاحتجاج بخبر من هذا نعته، إلا أن يحدث من كتاب، أو يوافق الثقات فيما يرويه من متون الأخبار). المجروحين (١/ ٨٧).

فتعقبه ابن رجب الحنبلي قائلًا: (وفيما ‌ذكره ‌نظر، وما أظنه سبق إليه. ولو فتح هذا الباب لم يحتج بحديث انفرد به عامة حفاظ المحدثين كالأعمش وغيره، ولا قائل بذلك، اللهم إلا أن يعرف من أحد أنه لا يقيم متون الأحاديث، فيتوقف حينئذ فيما انفرد به فأما مجرد هذا الظن فيمن ظهر حفظه وإتقانه، فلا يكفي في رد حديثه – والله أعلم). شرح العلل (١/ ٤٣١).

أقول: وما ذكره ابن رجب الحنبلي هو الصواب فمن ظهر حفظه وإتقانه لمحفوظاته فلا يرد حديثه.

وسبقه الخطيب البغدادي في الكفاية فقال: (‌‌ومن لم يرو غير حديث أو حديثين، ولم يعرف بمجالسة العلماء وكثرة الطلب، غير أنّه ظاهر الصدق مشهود له بالعدالة، قُبِل حديثه؛ حرًا كان أو عبدًا؛ وكذلك إن لم يكن من أهل العلم يعني ما روى؛ لم يكن بذلك مجروحًا؛ لأنّه ليس يؤخذ عنه فقه الحديث؛ وإنّما يؤخذ منه لفظه، ويرجع في معناه إلى الفقهاء فيجتهدون فيه بأرائهم).

ثم ذكر حديث: ” نضر الله امرأ سمع منا حديثًا، فحفظه حتى يبلغه إلى من هو أحفظ منه، ويبلغه من هو أحفظ منه إلى من هو أفقه منه، فرب حامل فقه ليس بفقيه”.

أقول: ولو نظرت في حال أكثر الثقات من رواة الحديث لم تجدهم معروفين بالفقه، فالعبرة بحفظ الراوي وإتقانه؛ لكن لا ريب إذا انضم إليه الفقه يكون مرجحًا، والله أعلم.